Back to Top

ثلاثيات في قضية التجسد

هناك قضية تخص موضوع التجسد، أدرجناها خلف الثلاثيات التالية :

St_Mary_2011 1- ثلاث عقائد ترتبط معا وتقود كل منها الآخرتين، ولا تفهم الواحدة بغير الأخرى وهي :
أ - التثليث              ب - التجسد                  ج - الافخارستيا
فالافخارستيا مرتبطة بالتجسد، ذلك لأن هذا الجسد الذي نأكله في سر الشكر والذي لربنا ومخلصنا يسوع المسيح، قد أخذه من سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة الطاهرة مريم وجعله واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، وأسلمه على الخشبة المقدسة بإرادته عنا كلنا : كما نقول في الاعتراف الأخير، في القداس الإلهي .
والتجسد يرتبط بالتثليث لأننا نؤمن بتجسد كلمه الله " الأقنوم الثاني ".
لذا فقد رأينا في بشارة الملاك جبرائيل للقديسة العذراء مريم اشتراكا للثالوث القدوس أو الأقانيم الثلاثة "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، ولذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى أبن الله" (لو 1: 35).
لذا كان التعليم عن التثليث بعد التجسد، له القبول الكامل، رغم أن العهد القديم، تحدث عن الثالوث القدوس، ولكن بصورة تلميحيه. كما أن سر الافخارستيا، لم يوهب لرجال العهد القديم، انما منح بعد التجسد فكيف يدعوهم لأكل جسده وشرب دمه، وهو لم يَصِر بعد في الجسد؟ إذن هذه العقائد تقود إلى بعضها البعض. فالتثليث يؤدي بنا إلى سر التجسد، وسر التجسد يقودنا إلى سر الافخارستيا.

2 - ثلاث تحفظات في فهم التجسد:
أ- ليس التجسد ظهورًا كالظهورات التي تمت قبل التجسد،
إنما التجسد إتحادًا بين الطبيعيتين في طبيعة واحدة. فقد ظهر الله لإبراهيم في صورة رجل يأكل ويشرب ويتكلم ويتحاور، ولم يكن كل هذا تجسدًا، بل ظهورًا في هيئة جسدانية وصورة جسمانية موقوتة بانتهاء غرضها.
ب- المحصورية البدنية: كيف يمكن أن يحصره جسد ويحويه بدن ويحده جسم؟ كيف يمكن أن يوجد في الأرض؟ ومن ذا الذي يجلس على عرشه في السماء؟ كيف يمكن أن يوجد في بطن أمه تسعة أشهر من الزمن؟ كيف يمكن أن يخطو بقدميه إقليم دون بقية أقاليم الكرة الأرضية الأخرى؟ 
كل هذه الأسئلة قد طُرحت لأننا قارنا أنفسنا بالله. فظن الناس أنه إذا كان ليس بإمكان المحدود أن يكون غير محدود، لذا فليس بإمكان غير المحدود أن يصير محدودًا. وإذا كان ليس بإمكان الزمني أن يصير أزليًا أبديًا، فمن المستحيل على السرمدي أن يبتدئ.
من الصعب على المحدود أن يكون غير محدود، ولكن ليس من الصعب على غير المحدود أن يصير محدودًا أمام ناظريه.
ج- الضعف البشري: تخوف البشر على الله من ضعف البشر، فكيف يمكن أن يخضع الله له؟ ناسين أن هذا الضعف مفيد للإنسان في أمور عدة.

3 - ثلاثة أسئلة:
أ- هل يمكن للإنسان أن يتأله؟
لقد تبجح البعض ظانين في أنفسهم أنه يتسنى لهم أن يصيروا ألهه، ولكن فشلوا.
- فهيرودس الملك لبس في يوم معين الحلة الملوكية، وجلس على كرسي الملك، وجعل يخاطب الصوريين والصيدونيين وبقية الممالك، وبنوع من التملق رفع الشعب أصواتهم إذ سمعوا صوت الملك يحدثهم وهم يقولون:" هذا صوت إله، لا صوت إنسان ففي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط المجد لله فصار يأكله الدود ومات" (أع 12 : 20-22).
لم يدع هيرودس الملك الألوهية، ولكنه قبلها ورضي بها ووافق عليها. لذلك قال الكتاب المقدس: "لأنه لم يعط المجد لله" (أع 20 : 23، 24).
إن الطريقة التي مات بها هيرودس "صار يأكله الدود ومات". ترينا كيف أن الله قد حارب هذا الإله الجديد ليس بالموت أو القتل توًا، إنما بالدود الذي جاء الموت بعده، وهذا مخالف للطبيعة. فالناس يموتون ثم يتركون للدود يأكل فيهم، حتى تنتهي أجسادهم (أي 7 : 5، 17 :11-15، 21: 22-26، 24: 20، 25: 4-6).
أما هذا الملك المتأله فأكله الدود غير عابئ بإلوهيته ولا بملكه (أش 14: 11، 66: 24، مر9: 44-48). ورأى الدود بعيني رأسه الذي بعد أن انتهى من مهمته لفظ الملك روحه، فأظهر الله أمام الشعب الذي تملقه أن هذا الإله الجديد لا يقوي على دودة صغيرة.
ولم يقل الكتاب ضربه الله فمات، إنما قال: "ضربه ملاك الرب" فغن كانت ضربة خادم من خدام الله صنعت معه هكذا، فكم سيكون له حين سيتواجه مع الله نفسه؟! حقًا "مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب10: 31).
-وفي سفر القضاة يتكلم كاتب السفر عن اثنين من قضاة بني إسرائيل الخمسة عشر ويدعوهما بلقب مخلص، هما عثنئيل ابن قناز، وأهود إبن جيرا، ذلك لأن هذين القاضيين خلصا شعب إسرائيل من عبادة البشر. فقد عبد الناس الملك كوشان رشعتايم ملك آرام النهرين مدة تقترب من الثماني سنوات (قض3: 8-10، حب3: 7)، وعبدوا أيضًا الملك عجلون ملك مؤاب ثمانية عشر سنة، "لذا خلصهم الرب بيد اهود بن جيرا أحد قضاة بني إسرائيل" (قض3: 12-15).
وسنحاريب ملك آشور يتجاسر بأن يرسل إلى حزقيا ملك إسرائيل ويقول له: "ما الاتكال الذي اتكلت؟...على من اتكلت حتى تعصي علي..إذا قلتم لي على الرب إلهنا اتكلنا أفليس هو الذي أزال حزقيا مرتفعاته ومذابحه. لا يخدعكم حزقيا لأنه لا يقدر أن ينقذكم من يدي ولا يجعلكم حزقيا تتكلون على الرب قائلًا إنما ينقذنا الرب.. ولا تسمعوا لحزقيا لأنه لا يغركم قائلًا الرب ينقذنا، هل أنقذ آلهة الأمم كل واحد أرضه من يدي حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي؟ فسكت الشعب ولم يجيبوه بكلمة" (2مل18: 22، 29: 32-36).
كان هذا الكلام تعديًا على قدرة الله. وأحسس ملك آشور أنه يقوى على إله إسرائيل نفسه، ولو دخل الرب إلى ساحة القتال مع سنحاريب، لعرض نفسه لحرب خاسرة من ملك آشور. فماذا كانت النتيجة إذن؟
أخذ حزقيا ملك إسرائيل هذه الرسائل القاسية وطرحها فوق المذبح أمام الرب (2مل19: 14-15) وصلى صلاة جميلة كأنه يقول للرب فيها أن هذا الكلام ليس موجهًا لي أو ضدي أنا، إنما هو يخصك أنت يارب (2مل19: 16-17)، يارب مل أنت وأسمع، أفتح عينيك وانظر وأسمع كلام سنحاريب الذي أرسل ليُعًير الله الحي. حقًا يارب إن ملوك آشور قد خربوا الأرض ودفعوا آلهتهم إلى النار، لأنهم ليسوا آلهة بل صنعة أيدي الناس (2مل19: 16-17). "كان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش آشور مائة ألف وخمسة وثمانين ألفًا، ولما بكروا في الصباح وإذ هم جُثث فأنصرف سنحاريب وذهب راجعًا" (2مل19: 35-36).
أيها الإله الذي كنت تظن أن يدك فوق الإله الحي الحقيقي وحده، أين قوتك أمام قوة ملاك من ملائكته؟ هل يستطيع كل جيشك الذي قادك نحو هذه العظمة الكاذبة أن يحقق ما حققه واحد من جند رب الجنود؟ إنك حين احتميت في هيكل نسروخ إلهك لم يحفظك من يدي ولديك أدر ملك وشر آصر الذين قتلاك (2مل19: 37). والله الذي احتمى فيه الإسرائيليون حفظهم منك ومن مائة وخمسة وثمانين آلف جندي قتلهم ليكونا عبرة أمام بقية جنودك.
حقًا كل آلهة الأمم شياطين.
أما الرب فهو الإله.
يا عزيزي أتريد أن تصير إلهًا؟
أن هذا الأمر لا يمتلكه إبليس حتى يتمكن من أن يعطيه لك، وإن كان قد دعي إله هذا الدهر، رئيس هذا العالم، رئيس سلطان الهواء (يو12: 31، 14: 30، 16: 13، 2كو4: 3، أف2: 1).
الله وحده هو الذي يجعل منك سيدًا على مملكة إبليس. مما يجعله ينظر إليك على أنك سيد لهذه الطبيعة وعليه، كما ينظر إليك إتباعه وأولاده وتلاميذه.
عندما أرسل الرب موسى وهارون ليُكلما فرعون قال الله لموسى: "جعلتك إلهًا لفرعون وهارون أخوك يكون نبيك" (خر7: 1).
* وعندما أنزل الإسرائيليون تابوت عهد الرب إلى ساحة القتال الدائر بينهم والفلسطينيين، صرخ الفلسطينيون عندما رأوا جند الرب أي شعب إسرائيل وتابوت عهد الرب فوق أكتافهم قائلين: "ويلٌ لنا لأنه لم يكن مثل هذا منذ أمس ولا من قبله ويلٌ لنا من ينقذنا من يد هؤلاء الآلهة القادرين، هؤلاء هم الآلهة الذين ضربوا مصر بكل الضربات في البرية"(1صم4: 7-8).
*وعندما حضرت روح صموئيل النبي للتكلم مع شاول الملك في ضيافة عرافة عين دور، قالت العرافة لشاول الملك: "رأيت آلهة يصعدون من الأرض" (1صم 28: 13).
*وعندما رأى شعب لستره أعمال المسيح العظيمة التي فعلها بيدي بولس وبرنابا، صرخوا وقالوا: "أن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا" (أع 14: 11).
*وفي سفر المزامير حديث جميل ذكره المزمور الثاني والثمانين في قوله: "الله قائم في مجمع الله في وسط الآلهة يقضي..أنا قلت أنكم آلهة وبنوا العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون قُم يا الله ودن الأرض لأنك أنت تملك كل الأمم" (مز82: 1، 7-8).
*واضح من خلال هذا القول المقدس أنه موجه من الله إلى بشر "بنو العلي" ولكن يدعوهم آلهة. "الله قائم في وسط الآلهة..أنا قلت أنك آلهة". إذن يا عزيزي لو أغراك إبليس بوعده أن تكون إلهًا قل له لو كان هذا مُتيسرًا لك لكنت أنت أولى وأحق مني بها لأنك طلبتها وأردتها واشتهيتها" (أش14: 14، مز28: 12-19).
*أنت يا عزيزي على الصورة الآلهية سامك الله الواحد الأعظم ووضع يده عليك، وكتب فيك صورة سلطانه، ووضع فيك موهبة النطق، وأظهر لك تدبير تعطفه، وفتح لك الفردوس لتتنعم، وأعطاك علم معرفته.
ب - هل يمكن للآلة أن يتجسد؟
وإجابة هذا السؤال تكون في سؤال أخر، وهل لا يمكن لله أن يتجسد؟
قال القديس يوحنا الحبيب في رسائله: "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله، كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد، فهو من الله، وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فليس من الله..وهذا هو روح ضد المسيح (Anti Christ) الذي سمعتم أنه يأتي" (1يو4: 1-3).
ج - هل يعجز الله عن الظهور في الجسد؟
لو أجبنا بنعم، لنسبنا لله عجزًا في أمر أتيح لغيره
*"إذا كان الله في ظهوره لإبراهيم لم يستنكف أن يره إبراهيم رجلًا، وبصحبته ملاكان كان كلاهما كذلك (تك18: 1-5، عب13: 2)، فهل يخجلنا أن الله يظهر في الجسد؟
*وإذا كان الله قد ظهر لموسى النبي حيث رآه في صورة نار مشتعلة في عليقه (خر3: 2-5، تث33: 16، مر12: 16، لو20: 37، أع7: 30-35)، وهي أحقر وأصغر أنواع الأشجار والمتسلقات، أفهل يخجلنا ظهوره في جسد إنساني؟
*فهل يستحيل على الرب شيء؟ (تك18: 14).
*وإذا كان قد ظهر ملاك الرب لموسى النبي (أع7: 35، 38) ولجدعون ابن يؤاش الأبيعزري (قض2: 1، 4، 5: 32، 6: 21-22) ولمنوح والد شمشون الجبار وزوجته (قض13: 13-12)، ويشوع بن نون (يش5: 13-15)، ويعقوب أبي الأسباط (تك48: 16، 13: 4)، فلماذا لا نقبل أن يظهر الله في جسد الإنسان؟
*ألم يتسن لملاك أن يظهر للعذراء مريم ويتحدث معها وتراه العذراء بصورة يمكن أن تُرى، إذ مثل أمام عينيها بشرًا سويًا؟ (لو1: 26-35).
*ألم يظهر ملاك آخر لبطرس الرسول وقت أن كان مسجونًا، ويوقظه من غطيطه، وينبهه من نومه الثقيل، ويقوده حتى مشارف المدينة(أع12: 7-10)؟
*ألم ير زكريا بن براخيا بن عدو النبي ملاكًا، وتكلم معه، وفسر له رؤية الرجل الراكب على فرس أحمر (زك1: 9-17)؟
*ألم تر النسوة في قيامة المسيح ملاك الرب في صورة شاب (لو24: 23) بثيابه البيضاء كالنور وتحدث معهن (مت28: 5)؟
*ألم ير رعاة الغنم في ميلاد المسيح ملاكًا واقفًا أمامهم بلباس بهي، وظهر معه بغتة جمهور من الجند السماوي مُسبحين الله (لو2: 10-15)؟
*ألم ير الرسل ملاكين في صورة رجلين بلباس أبيض ، يخبرانهم أنه كما ارتفع عنهم يسوع غلى السماء سيأتي كما رأوه منطلقًا إلى السماء (أع2: 9-13)؟
*ألم ينظر كرنيليوس القائد الإيطالي الروماني ملاكًا داخلًا إليه يخبره أن يرسل إلى يافا ويستدعي سمعان الملقب بطرس النازل في يافا (أع10: 7-8، 11: 13)؟
*ألم تأت ملائكة بعد اجتياز السيد المسيح تجربته على الجبل مع إبليس وصارت تخدمه (مت4: 11، مر1: 13)؟
*لقد كان هناك جيش يتكون من اثني عشر ربوة من الملائكة على أهبة الاستعداد لأن تتحرك قوافلهم طاعة لأمر الأب السمائي، إذا طلب المسيح الابن ذلك (مت26: 53).
*ألم يظهر ملاك للسيد المسيح له المجد إبان وجوده في جثماني لكي يقويه (لو22: 43) كتعبير حُب منه، حيث لم يطلب المسيح ذلك؟
*ألم يمس ملاك آخر إيليا بيده وأعطاه كعكة رضف وكوز ماء وسار على هذه اللمسة أربعين يومًا وأربعين ليلة (1مل19: 4-9)؟
*ألم يكن هناك ملاك يظهر من حين إلى آخر على بركة بيت حسدا وبطريقة مادية ملموسة له أن يحرك الماء، والذي ينزل بعد تحريك الماء كان يبرأ من كل مرض اعتراه (يو5: 4)؟
*لقد أُتيح للكثيرين أن يروا ملائكة بصورة محسوسة تخضع للبصر البشري، في حين أن هذه الطبيعة الملائكية تختلف عن طبيعتهم الآدمية، إذ يتسنى للملائكة أن يروا البشر، ولكن من العسير أن يرى بشر ملائكة إلا بهذه الطريقة التي لم تتكرر إلا مع قليلين وبصورة استثنائية.
*لقد أتيح لهم سماع صوت الملائكة في حين أن آذان البشر تقصر على أن تسمع عاطر صوتهم (يو12: 29، أع33: 9).
*إذا كان قد أمكن لملائكة أن يظهروا في الجسد، فهل يتعذر على الله ذلك؟ هل يستحيل على الرب شيء؟ (تك18: 14، أش50: 2).
*هل تقصر يد الرب؟ (عد11: 23)، فإنه ليس شيء غير ممكن لدى الله (لو1: 37).
على أنه يلزم أن نفرق بين أمرين هامين هما: الظهور في جسد، والتجسد. فظهور الله في شكل رجل مع إبراهيم، أو في شكل عليقه مع موسى، وظهورات الملائكة في صورة يمكن أن تًحس وترى كما مر شرحه هي ظهورات وليست تجسدًا.
أما ذلك الحدث العظيم الذي رأته قرية بيت لحم اليهودية، منذ ألفين من السنين، فلم يكن ظهورًا، إنما كان تجسدًا   ، فالتجسد هو اتخاذ الله الطبيعة البشرية واتحاده بها، وطاعته لأطوار نموها، كي يفدي البشر في جسم بشريتهم. فإذا كان الله لم يستنكف أن يخلق هذه الطبيعة، أيخجل أن يرتديها؟

4 - ثلاثة أنواع من الظهورات:
أ- ظهورات في هيئة بشرية:
مثل ظهور الله لإبراهيم في صورة رجل ومعه ملاكان في صورة رجلين آخرين، في هذا الظهور سعدت عينا إبراهيم أن ترى الله جل جلاله.
وظهوره لأدم إذ قيل وسمع صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة، وظهوره ليعقوب إذ صارعه، إنسان حتى مطلع الفجر.
ب - ظهورات في صورة ملائكية: إذا كان الله جل شأنه وعلا، قد قبل أن يظهر في الصورة البشرية، فهل لا يظهر للناس في صورة ملائكية أكثر نقاء وبهاء؟
*فقد ظهر ملاك الرب لموسى النبي في نار عليقه، والعليقة لم تكن تحترق (أع78: 25، 28)، وظهر ملاك الرب ليشوع بن نون مناديًا له قائلًا: "أنا رئيس جند الرب أنظر أنا قد دفعت إلى يدك أريحا" (يش5: 13-18)، وظهر ملاك الرب لجدعون بن يؤاش الأبيعزري وهو يقول له: "الرب معك يا جبار البأس وصعد في الذبيحة المقدمة" (قض2: 1، 4، 5:23، 23، 6: 11-23). وظهر ملاك الرب لمنوح والد شمشون الجبار وزوجته حتى أنهما بعد رؤيته قالا "نموتا موتا لأننا قد رأينا الله" (قض13: 13-21).
غير أنه يلاحظ أن الظهور كان يبدأ بأسلوب غير ذلك الذي يختتم به فيرى الرائي أنه يمثل أمام ملاك الرب "فظهر ملاك الرب في عليقه ولم تكن تحترق" (خر3: 2-5) ثم تطور فهم المشاهد عندما يعلن الظهور عن ذاته "فلما رأى الرب أنه مال لينظًر" (خر3).
ثم يتطور تطورًا آخر بأن نكتشف أن هذا الذي ظهر هو الله ذاته "ناداه الله وقال يا موسى أخلع نعليك من رجليك"
ثم يتطور تطورًا آخر فيؤكد على هذه الحقيقة إذ يقول: "أنا الرب إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب، فخاف موسى أن ينظر إلى الله" (خر3).
إذن ملاك الرب هو الرب هو هو الله، هو هو إله الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب.
إنها صورة عن الله تُأخذ بأسلوب التطور يتناسب مع ضعف الإنسان الذي يجزع من منظر ملاك الرب، فكيف يقترب من الرب نفسه؟
ج- ظهورات في صورة مادية:
*الصخرة: جاء في رسالة الرسول بولس إلى أهل كورنثوس قوله: ألستم تعلمون أن آباءنا..جميعهم شربوا شرابًا روحيًا واحدًا لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح" (1كو10: 1-5).
والكتاب المقدس دعا الله بأنه صخرة، تحطمت من فوقها كل معاول الشر في العديد من آياته" الرب صخرتي ومنقذي".
والسيد المسيح أخذ لقب الصخرة "والصخرة كانت المسيح" (1كو10: 5).
*النار: كانت العليقة بنارها المشتعلة رمزًا للتجسد واتحادًا اللاهوت في الناسوت، لا تؤثر فيه قسوة وقوة النيران.
*الماء: قال الرسول بولس" فأني لست أريد أيها الأخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة وجميعهم اجتازوا في البحر وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر، وجميعهم أكلوا طعامًا واحدًا روحيًا، وجميعهم شربوا شرابًا واحدًا روحيًا، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح.
لكن بأكثرهم لم يسر الله لأنهم طرحوا في القفر" (1كو10: 1-5).
*نار وماء: تجلى هذا الأمر في عمود السحاب، واختلطت النار التي ظهرت في العليقة مع الماء الذي أنساب من الصخرة، في عمود واحد، سمي عمود النار، أو سمي عمود السحاب ، أو سمي عمود السحاب والنار (حر13: 21، 14: 24). وكل منهما (أي الماء والنار) كان ظهورًا من الظهورات الدالة على التجسد، ليدل على اتحاد اللاهوت (النار) بالناسوت (الماء)، في اقنوم واحد وشخص واحد.
عمود السحاب والنار:
قال الكتاب المقدس: "وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلًا في عمود نار ليضئ لهم، كي يمشوا نهارًا وليلًا. ولم يبرح عمود السحاب نهارًا، وعمود النار ليلًا من أمام الشعب". (خر13: 21، 14: 24، تث1: 33، عد9: 16).
لاحظ هنا قوله: كان الرب يسير أمامهم في عمود سحاب...
عن هذا الأمر تكلم المزمور قائلًا:"وهداهم بالسحاب نهارًا والليل كله بنور نار" (مز78: 14)، راجع أيضًا (مز105: 39).
جاء في سفر الخروج قوله: "وأنتقل عمود السحاب من أمامهم، ووقف وراءهم، فدخل بين عسكر المصريين وعسكر إسرائيل، وصار السحاب والظلام، وأضاء الليل، فلم يقترب هذا إلى ذلك كل الليل" (خر14: 19-20).
جاء في سفر العدد أيضًا قوله: "ويوم إقامة المسكن، غطت السحابة المسكن خيمة الشهادة، وفي المساء كان المسكن كمنظر نار إلى الصباح، هكذا كان دائمًا. السحاب تغطيه، ومنظر النار ليلًا، ومتى ارتفعت السحابة عن الخيمة، كان بعد ذلك بنو إسرائيل يرتحلون، وفي المكان حيث حلت السحابة، هناك كان بنوا إسرائيل ينزلون" (عد156-18).
كان هذا العمود رمزًا من الرموز التي ترمز وتشير إلى تجسد السيد المسيح ولاهوته وذلك من خلال الحقائق التالية:
*كان هذا العمود عمودًا واحدًا، غلا أنه كان عمود نار وعمود سحاب في وقت واحد، فهو عمود واحد مم طبيعتين في طبيعة واحدة كل من الطبيعتين تختلف مع الأخرى، وما هذا الأمر إلا لأن يكون إشارة للسيد المسيح له المجد الذي له طبيعة واحدة فيها صفات وخصائص الطبيعتين، أو كقول القديس كيرلس الكبير طبيعة واحدة من طبيعتين. فطبيعة النار في العمود تشير إلى اللاهوت الذي هو نار آكله (تث4: 24، عب12: 19). وطبيعة السحاب تشير إلى طبيعته الناسوتية، حيث أن السحب تتكون من بخار الماء المتصاعد، والقديس يعقوب الرسول يشبه حياة الإنسان جسديًا بالبخار الذي يظهر قليلًا ثم يضمحل" (يع4: 14).
*كان هذا العمود منيرًا والسيد المسيح هو نور العالم من يتبعه فلا يمشي في الظلمة" (يو8: 12).
*الليل والنهار يشيران إلى حياة الإنسان في هذا الدهر وفي الدهر الأتي، فالنهار يشير إلى حياة الإنسان في الزمن الحاضر، أما الليل فيشير إلى حياة الإنسان في الدهر الأتي. ففي الدهر الحاضر يكون المسيح له المجد بمثابة عمود سحاب يظلل على الكنيسة فيحميها من كل ضربة شمس (نش1: 5، 6)، ولكنه يتحول في الدهر الأتي إلى عمود نار إذ سيجازي المسكونة بالعدل. فإن كان يتعامل مع الناس في هذا الدهر بالرحمة، إلا أن الناس سوف يتقابلون معه في الدهر الأتي في كامل عدالته، فهو كما أنه حمل الله في مجيئه الأول، سنراه أسدًا في مجيئه الثاني.
*حيثما ترتفع السحابة ترتحل الخيمة فوجود المسيح في الكنيسة يعطي للكنيسة أن تكون لها التبعية الكاملة له، فهي مرتبطة به وبوجوده فيها "أنا إن ارتفعت جذبت إلى الجميع" (يو6: 44، 12: 32، مز22: 9، نش1: 4).
*هذا العمود يُرينا صورة متطابقة جميلة عن الصليب، فالسحاب المظلل يأخذ الشكل الأفقي للصليب، وعمودية عمود النار تأخذ الجانب الرأسي له. وبهذا تكتمل صورة الصليب كخشبتين متعارضتين تعارض كل منهما الأخرى، وتتعارض كل منهما مع الأخرى.
*جمع هذا العمود بين متناقضتين في مكان واحد أو بين ضدين في وقت واحد: فالماء يطفئ النار، والنار تبخر المياه، وكل منهما يستطيع أن ينتصر ويتغلب على الأخر. قل لي كيف تجمعت الأضداد؟ وكيف تزامن تزامل الشيء مع نقيضه في أن واحد؟
هذه الألغاز لا يحلها إلا العدل والرحمة اللذين وجدا لأنفسهمًا مقرًا لقدميها في شخص واحد، فهو العدل الذي يأخذ مجراه، وهو الرحمة التي تطفئ لظى العدل. هو الديان الذي يحاسب ويجازي ويعطي كل واحد حسب أعماله، وهو الفادي الذي ينقذنا من دينونة الله المهوبة المخوفة، فرحمة الله عادله، وعدل الله رحيم، فهو رحيم في عدله، عادل في رحمته
ولذلك عندما وضع توما إصبعه في يدي المسيح وكفه في جنبه ما الذي دعاه أن يصرخ مرددًا" ربي وإلهي"؟ هنا يتدخل الآباء في التفسير يقولون: إن يدي توما كادتا أن تحترقا من النار الآكلة، ولذا أحس أنه تجاسر ودنا إلى من تدخن الجبال من حضرته، وتحترق الأرض من حوله" (يو20: 24-24).
ولذا في وصف سفر الرؤيا للمسيح في لاهوته قال عنه: "أما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج وعيناه كلهيب نار" (رؤ1: 14، 2: 18)، وقال عما يحيط بعرشه من هيبة وجلال وبريق ولمعان: "ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله (رؤ1: 8، 18، 4: 5،5: 13، 14، 10: 6، 11: 15، 15: 7).

5 - ثلاثة أمور مرفوضة:
في قضية التجسد نرفض رفضًا تامًا هذه الأمور الثلاثة ونقول بالصورة القاطعة، وبالقول الفصل:
أ - ليس المسيح إنسانًا فقط، وإن كان قد تأنس.
ب - ليس المسيح نبيًا فقط إن كان قد تنبأ.
ج - ليس المسيح رسولًا فقط، وإن كان الآب قد أرسله.
أ - ليس المسيح إنسانًا فقط وإن كان قد تجسد وتأنس:
لقد خال عند البعض أن السيد المسيح له المجد هو تلك الشخصية الأسطورية، التي تظهر نتيجة لتعطش الأجيال للقوة والجبروت، أو عبادة المثلٍ والعبقريات والنبوغ، مما دعاه أن يسلب لبُ البشرية ويسيطر على فكرها.
فرغم أن السيد المسيح له المجد دعي إنسانًا، إنما هو ليس إنسانًا فقط يتساوى بإنسانيته هذه مع باقي البشر، لأنه له المجد هو الله الظاهر في الجسد. ولقد دعي السيد المسيح له المجد في الإنجيل بهذا اللقب، فالأعمى عندما سألوه عمن فتح عينيه قال: " إنسان يقال له يسوع صنع طينًا وطلى عيني"، والمرأة السامرية تقول عنه: (يو9: 11) هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح؟ (يو4: 29) من أجل هذا أصرت الكنيسة عبر خمسة عشر قرنًا من الزمان، أن لا تؤمن أن في المسيح طبيعتين للإله المتجسد، بل آمنت بأن السيد المسيح له المجد طبيعة واحدة لها الصفات والخصائص التي للطبيعتين، أو قل طبيعة واحدة من طبيعتين، فلا يقول لطبيعتين بعد الإتحاد، ولا قول بامتزاج بين الطبيعتين إذا ما نادينا بطبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد.
ب - وليس المسيح نبيًا، وإن قد دعي بهذا اللقب أو قد رآه البعض بهذه الصورة، فموسى النبي يقول عنه: "يقيم لك الرب إلهك نبيًا مثلى" (تث18: 15، 18)، لذا كان السؤال الموجه إلى المعمدان يقول له: "أنبي أنت؟ فقال لا" (يو1: 21، 25).
عندما سأل تلاميذه: "من يقول الناس إني أنا؟ كان من ضمن إجاباتهم أنه واحد من الأنبياء" (مت16: 14، مر8: 28).
وقالت عنه السامرية أرى إنك نبي" (يو4: 19)، وقال عنه الأعمى إنه "نبي" (يو9: 17)، وقال عنه سمعان الفريسي: "لو كان هذا نبيًا لعلم من هذه المرأة وما هو حالها؟" (لو7: 39)، ويوم أن أقام ابن أرمله نايين قال الشعب "لقد قام فينا نبي عظيم وافتقد شعبه" (لو8).
وعرفه تلاميذه على أنه إنسان نبي مقتدر في القول والعمل (لو24: 19) "وكانوا يتعجبون كيف أنه يقوم نبي من الجليل" (يو7: 58) واسموه يسوع ابن يوسف النبي الذي من ناصرة الجليل (مت21: 11).
وعندما صنع معجزات كان الشعب يهتفون قائلين: "بالحقيقة أنت النبي الآتي إلى العالم" (يو6: 14، 7: 40).
ج - هذا يعني أن السيد المسيح له المجد هو واحد من الأنبياء، أو انه مجرد نبي نظيرهم، أن السيد المسيح هو روح النبوة كقول سفر الرؤيا (رؤ19: 10)، "وأنه الذي تنبأت له جميع النبوات"..(لو24: 25)، والذي تكلم عنه جميع الأنبياء (يع5: 10، 2بط3: 2، رؤ10: 17،11: 18، 18: 20).
 

النبوءة عمل الله :
وإذا كان قد قيل عن السيد المسيح أنه نبي ذلك لأن النبؤه عمل الله أولا فهو الذي يستطيع أن يكتشف المجهول وأن يكشفه، أما الأنبياء فالله يعلن لهم بحسب مسرته وإرادته صورة المستقبل في الحاضر فيرونها وكأنها حادثة أمامهم، ثم يعلنوها لبقية الشعب. فالله وحده الذي ليس ماضي ومستقبل ولأنه يحيا في حاضر مستمر
وهذا ما أشار إليه القديس بطرس الرسول في خطابه الشهير عندما قال: "أما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا..وجميع الأنبياء أيضًا من صموئيل فمات بعده جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام" (أع3: 18، 24).
واضح من النص السابق انه يستخدم كلمة النبوءة بالنسبة لله، كما يستعملها أيضًا بالنسبة للبشر. هل بهذا لا نقول عن الله أنه قد تنبأ أو أنه أنبأ؟ إذن فالنبوة من اختصاص الله وحده، فا لأنبياء من حقهم أن يقولوا له "يا رب أليس باسمك تنبأنا" (مت7: 22، مر11: 21)، فالكلمة النبوية لا تصدر إلا من قبل الله (2بط1: 19)، (7: 22،مر11: 21)، فالكلمة النبوية لا تصدر إلا من قبل الله (2بط1: 13)، "والكتب النبوية لا تأتي إلا من روح الله الناطق في الأنبياء" (رو16 :26).
لقد أصر الكتاب المقدس في العديد من آياته أن يسمى يسوع نبيًا لُيختم على أقوال النبوات السابقة له والمعاصرة (رؤ22: 7-8)، فلا نبيًا بعده، فالناموس والأنبياء إلي يوحنا تنبأوا (مت11: 13)، وفي مثل الكرم والكرامين "أرسل عبيدًا وأخيرًا قال أرسل ابني" فلوا أن هناك مجالًا لأنبياء بعد مجيء المسيح الابن، ما كان الابن قد جاء، ولتمهل حتى يكتمل عدد الأنبياء (1تس2: 15، 1بط1: 10، رؤ16: 6).
فنحن بملء الثقة نقول أن المسيح إنسان وانه نبي، لكن ليس المسيح مجرد إنسان وليس المسيح مجرد نبي.
- والسيد المسيح له المجد دعيً مرسلًا من قبل الآب فظنه البعض رسولًا كباقي الرسل، الذين ارسلوا إلى العالم لكن السيد المسيح أرسل تلاميذه وأرسل أيضًا روح الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق. لكن هل نستطيع أن نعتبر إرساله للتلاميذ كإرساله للروح القدس؟
قال السيد المسيح لتلاميذه: "ومتى جاء المعزي الذي أرسله إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الله ينبثق، فهو يشهد لي (يو15: 26)، وقال لهم أيضًا" لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي. لكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يو 16: 7).
والسيد المسيح ينفخ روح الله، كما ورد في إنجيل يوحنا: "ولما قال هذا نفخ وقال: اقبلوا الروح القدس" (يو20: 22).
" وسنعود للحديث في هذا الموضوع في الباب الثاني عشر من هذا البحث"
والذي يطالع الإنجيل يجد أن هذا الأمر من اختصاص الله نفسه، فهو الذي يرسل روحه إلى العالم كقول المزمور: "ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض" (مز104: 30). أو يسكب روحه ، كقول يوئيل النبي: "أنا الرب إلهك وليس غيري..ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويحلم شيوخكم أحلامًا، ويرى شبابكم رؤى" (يؤ2: 27- 29).
فالآب أرسل الابن.
والابن أرسل الروح القدس الذي ينبثق من الآب.
ولم يقل أحد أن الروح القدس الأقنوم الثالث أقل من الابن أو الأب في الجوهر، بل هو مساوي لهما، وواحد معهما.
ويصور لنا إشعياء النبي صورة جميلة بديعة عن إرسال الآب والروح القدس للأبن عندما قال "اسمع لي يا يعقوب وإسرائيل الذي دعوته أنا هو، أنا الأول وأنا الأخر، ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات، أنا أدعوهن فيقفن معًا. اجتمعوا كلكم واسمعوا من منهم أخبر بهذه؟ قد أحبه الرب..، تقدموا إلي. اسمعوا هذا "لم أتكلم من البدء في الخفاء، منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحه" (أش48: 12-،14، 16).
إن التعبير الأول والآخر من التعبيرات التي أُطلقت على الله (أش 41: 4، 44: 6، 48: 12)، ومن التعبيرات أيضًا التي أُطلقت على السيد المسيح له المجد (رؤ1: 11، 17، 22: 13).
فإذا قال أنا الأول وأنا هو الأول والأخر فإن المتكلم هنا هو السيد المسيح له المجد "الذي أرسله الآب وروحه" وإلا ما كان بالمستطاع أن يقول يدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات منذ وجوده أنا هناك (أش48: 13، 16).

 قال القديس كيرلس الكبير في شرحه لتجسد الابن الوحيد:
" الكلمة الذي من الله الآب (المولود من الآب) دعي إنسانًا رغم كونه بالطبيعة الله، لأنه أشترك في الدم واللحم مثلنا" (عب2: 14)، وهذا جعل الذين على الأرض قادرين على مشاهدته. وعندما حدث ذلك (تجسد) لم يفقد شيئًا مما له (ألوهيته). وإذ أخذ طبيعة بشرية مثلنا (مثل طبيعتنا) لكنها كاملة، ظل أيضًا الله ورب الكل، لأنه هو هكذا فعلًا وبطبيعته وبالحق مولود من الأب رغم تجسده، وهذا يرينا إياه بوضوح كاف الحكيم بولس عندما يقول "الإنسان الأول أرضي من الأرض، والإنسان الثاني الرب من السماء" (1كو15: 47)، ورغم أن العذراء مريم ولدت الهيكل (ناسوت المسيح) (يو2: 19-20) المتحد بالكلمة إلا أن عمانوئيل قيل عنه وهذا حق "من السماء لأنه من فوق، ومولود من جوهر الآب، وإن كان قد نزل إلينا عندما صار إنسانًا، إلا أنه من فوق، ومولود من جوهر الأب. وإن كان قد نزل إلينا عندما صار إنسانًا، إلا أنه من فوق. وعن هذا شهد يوحنا: "الذي يأتي من فوق هو فوق الكل" (يو3: 31). والمسيح نفسه قال لشعب اليهود "أنتم من أسفل وأما أنا فمن فوق" (يو8: 23). وأيضًا "أنا لست من هذا العالم" رغم أنه كإنسان هو في العالم إلا أنه أيضًا فوق العالم كالله، ونحن نذكر أنه قال علانية "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو3: 13).
ولذلك نقول أن ابن الإنسان نزل من السماء وهذا تدبير أن يكون للمسيح كل صفات الناسوت في الاتحاد. لأن الكلمة وهب لجسده كل صفات مجده، وكل ما هو فائق وخالص.
وقال أيضًا "إن الله أخلى ذاته دون أن يمس هذا بطبيعته لأنه عندما أخلى ذاته لم يتغير إلى طبيعة أخرى، ولم يصبح أقل مما كان عليه لأنه لم ينقص شيئًا. هو غير متغير مثل الذي ولده (الآب). ولكن عندما صار جسدًا، أي إنسانًا جعل فقر الطبيعة الإنسانية فقره.