Back to Top

النيـروز ... عيد الشــــهداءJesus_Mary_AllSaints

النيروز كلمة مشتقة من اللغة الفارسية وتعني "اليوم الجديد" وكان المصريون في أيام الفراعنة يحتفلون بعيد النيروز، وكان الأحتفال به يستمر لمدة سبعة أيام متواصلة... ويوافق عيد النيروز الأول من شهر توت (11 سبتمبر) كل عام...
والمعروف أن المصريين منذ عصر الفراعنة أول من قاس الزمن وأرخ السنوات وكانوا أيضًا أول من قسم السنة إلى شهور، وقد استخدموا التقويم الشمسي في حساباتهم ونظموا تقويمهم بدقة فكانت السنة اثني عشر شهرًا والشهر ثلاثين يومًا، وكان ذلك منذ عام 4241 ق.م.
ويؤكد المؤرخ الإغريقي هيرودوت، أن المصريين قد توصلوا إلى ذلك نتيجة ملاحظتهم للنجوم، بل كانوا متفوقين عن الإغريق، إذ عدلوا السنة الشمسية عندهم بإضافة شهر صغير من خمسة أيام إلى إجمالي الاثنى عشر شهرًا، بحيث تبدأ السنة بدقة وفقًا لحساباتهم...
والجدير بالذكر فإن التقويم الشمسي لدى قدماء المصريين القائم على أساس الحسابات الفلكية، هو التقويم الذي تتبعه جميع الشعوب حتى الآن... وعلى أساس التقويم المصري القديم جاء التقويم القبطي، الذي يتوافق تمامًا مع ظهور نجم أو "كوكب الشعري اليمانية" وهو ألمع نجوم السماء، خاصة قبيل شروق الشمس.. ومن هنا تعتبر السنة المصرية أو السنة القبطية، سنة نجمية.
ويرى علماء الفلك في العصر الحديث أن اليوم النجمي أكثر دقة من اليوم الشمسي...
وكانت السنة عند قدماء المصريين تنقسم إلى ثلاثة فصول:
فصل الفيضان: الذي تغمر فيه مياه النيل الأرض.
فصل الإنبات: وهو موسم الزراعة.
فصل الحرارة: وهو موسم الحصاد.
وقد احتفظ المصريون حتى يومنا هذا بتقسيم فصول العام على هذا النحو، أما أشهر السنة القبطية فهي كالآتي:
* توت "من 11 سبتمبر حتى 10 أكتوبر" ويحمل اسم الإله المصري "تحوت" رب القمر، وهو شهر فيضان النيل، ومن هنا جاء المثل: "في توت لا تدع الفرصة تفوت".
* بابه "من 11 أكتوبر حتى 9 نوفمبر" وإسمه بالقبطية "باأوني" وهو مشتق من رب النضار "تروت" أو إله النيل "حابي".
* هاتور "من 10 نوفمبر حتى 9 ديسمبر" واسمه بالقبطية "أتهور" وهو مشتق من اسم إلهة الحب والجمال "حتحور" وفي هذا الشهر يبذر القمح، ومن هنا يأتي المثل: "هاتور أبو الذهب المنثور".
* كيهك "من 10 ديسمبر حتى 8 يناير" ويرجع إلى إله الخير أو الثور المقدس "أبيس" رمز الخصوبة ويقول المثل "كيهك صباحك في مساك".
* طوبة "من يناير حتى 7 فبراير" واسمه بالقبطية "طوبى" التي تعني النظافة والنقاوة وتشير إلى المطر في مصر الفرعونية يدعى "طوبيا" وهو شهر البرد والمطر في مصر، ومن هنا جاء المثل "طوبة تخلي الصبية كركوبة".
* أمشير "من 8 فبراير حتى 13 أو 14 مارس" وهو شهر البرد الشديد والرياح الشديدة، ويقول المثل: "أمشير يأخذ الهدوم ويطير".
* برمهات "من 14 أو 15 مارس حتى 8 أو 9 أبريل" وفيه يعتدل الجو ويبدأ الحصاد، ويقول المثل: "في برمهات روح الغيط وهات".
* برمودة "من 9 إلى 10 مايو حتى 8 أو 9 مايو" وهو شهر الحر, ويقول المثل: "في برمودة دق العمودة أي وتد المظلة".
* بشنس "من 9 أو 10 مايو حتى 7 أو 8 يونيه" وهو مشتق من اسم إله القمر ابن آمون، ويقول المثل: "في بشنس خلي بالك من الشمس".
* بؤونة "من 8 أو 9 يونيه حتى 7 أو 8 يوليو" ويسمى بالقبطية "باأوني" وتعني الحجر والمعادن، وهو شهر القيظ الشديد ويقول المثل: "حر بؤونة يفلق الحجر".
* أبيب "من 8 إلى 9 يوليو إلى 6 أو 7 أغسطس" وفيه تبدأ مياه النيل في الأرتفاع، ومن هنا جاء المثل: "في أبيب تفور مياه النيل وتزيد".
* مسرى "من 7 أو 8 أغسطس حتى 5 أو 6 سبتمبر" وهو مشتق من الفعل القبطي "ميس" الذي يعني الوضع أو الخلق، وهو شهر فيضان النيل، ويقول المثل: "في مسري تفيض المياه وعلى الأرض تسري".
* النسيء "من 6 أو 7 سبتمبر حتى 10 سبتمبر" وهو الشهر الصغير المتمم لأيام السنة، ويتكون من خمسة إلى ستة أيام، ويقول المثل: "في النسيء لا تكن أنت المسيء"... ولا يزال هذا التقويم "القبطي" مستخدمًا عند الفلاحين حتى الآن، ويحفظونه عن ظهر قلب...

رأس السنة القبطية:

يعتبر عام 284 م فاتحة التقويم القبطي، حيث ارتقى الإمبراطور الروماني ديوكليتان "دقلديانوس" العرش، وكانت الأضطهادات التي أثارها من العنف حتى أن الأقباط هزتهم قسوتها وأثرت فيهم تأثيرًا عميقًا، ورغبوا في أن يبدأوا تقويمهم ابتداء من السنة الأولى التي ارتقى فيها ديوكليتان السلطة..
لقد بلغ عدد من استشهدوا في عصره في تقدير بعض المؤرخين بما يقارب المليون... وعلى هذا فإنه يمكن أن نؤكد أن الكنيسة القبطية تحوز امتيازًا بأنها قدمت أكبر عدد من المضطهدين في المسيحية بأسرها، ومع ذلك فإن لها أن تبتهج وتفخر بأنها استطاعت أن تقاوم كل القوى التي حاولت محوها...
وفي هذا الصدد يقول المنسنيور جرين في كتابه قاموس القواميس:"إن وضع شهداء مصر وحدهم في كفة من الميزان وشهداء العالم كله في الكفة الأخرى، لرجحت كفة مصر".
تعتز مصر بتاريخها ويعتز كل مصري بوطنيته وعقيدته وأصالته التاريخية فمصر تاريخ وتراث، يحيا فينا كمصريين قبل أن نكون مسيحيين أو مسلمين، ومن تراث مصر الموروث عيد النيروز الذي كان عيد مباركة نهر النيل وروافده عند المصريين القدماء، فالمصري القديم كان أول من قسم السنة إلى فصول وجعل رأس السنة هو أول السنة الزراعية التي تبدأ بشهر توت (أول شهور السنة القبطية سنة الشهداء).
فكان يقام أحتفال كبير عند نهر النيل له طقوس خاصة فرحًا بزيادة مياه نهر النيل الذي يدعى باللغة القبطية (نياروؤو) هذه الكلمة التي أضاف اليونان إلى نهايتها حرف (s)، كما يضيفون للأسماء فأصبح (ني ياروس) ويظن البعض أنها كلمة فارسية ولكن في الحقيقة هي مصرية قديمة ومعدلة حسب قاعدة الأسماء اليونانية، أما كلمة نيروز الفارسية فقد أطلقها الفرس على الأعتدال الربيعي أو عيد الربيع عندهم إذ يقع في يوم 21 مارس من كل سنة الذي جعله (جمشيدجم) الملك يوم عطلة لأنه رأس السنة الإيرانية، وهو منقول عن المصريين القدماء عرفه الفرس أثناء غزوتهم المعروفة لمصر القديمة وليس من الصواب أن ننسب ما لنا إلى غيرنا.
يقول العلامة المتنيح نيافة الأنبا لوكاس أسقف منفلوط:"إن كلمة نيروز ليست هي فارسية بل كلمة مصرية قديمة أصلها "نياروز" وهي اختصار لجملة مكررة في الصلاة "نيارو أزمو أروؤو" وهو قرار شعري ابتهالي إلى الخالق لمباركة الأنهار وتبعًا لقواعد الاختزال في اللغة القبطية فعوضًا عن تكرار القرار الشعري كاملاً بنصه واقتصادًا في الكتابة يكتفي بكلمة واحدة أو كلمة وجزء من الكلمة الثانية ويوضع فوقها خط أفقي يعني الإشارة التي توحي إلى القارئ بتكميل الجملة المختزلة وبتكرار القرار بوضعه "نياروس أو نياروز" في يوم أول السنة المصرية ومعناه عيد بركة الأنهار والمقصود بها النيل وروافده.

وطنية عيد النيروز:

احتفل المصري القديم بهذا العيد رسميًا أيام حكم الملك مينا الأول حوالي سنة 4000 ق.م.
ومن المعروف أن توت المنعوت به أول الشهور المصرية والذي يحتفل في اليوم الأول منه بعيد النيروز هو الذي قالت عنه المعالم الأثرية إنه ولد قبل عهد الملك مينا الأول في مدينة خمنو (الأشمونيتن) التي تتبع مركز ملوي حاليًا محافظة المنيا وكانت مركز عبادة تحوتي إله الحكمة، وعاش توت إله العلم والمعرفة في مكان قرية منتوت حاليًا التابعة لمركز أبو قرقاص محافظة المنيا وله الفضل في إحياء روح الانتماء إلى نهر النيل لأنه جعل المصريين يحبون هذا النهر ويقدسوه فهو مصدر البركة والخير.
وساهم البطالمة في عهدهم من 323 ق.م إلى 30 ق.م في الأحتفال بعيد النيروز بإقامة الهياكل التي من أهمها هيكل دندرة بجوار مدينة قنا بالوجه القبلي، ويشهد هذا الهيكل حتى الآن أن عيد النيروز كان عيدًا وطنيًا يحتفل به به كل الملوك على مر العصور وكان يصل عدد الحضور في ذاك الزمان إلى المليون يقدمون الذبائح والقرابين وكانوا يستحمون في النيل في صباح عيد النيروز ويرتدون الملابس الجديدة ويكرمون من يستحق التكريم ويأكلون خبز الزلابية الخالي من الخمير ويزورون "حقل النيروز" من منتوت إلى الأشمونيين حاملين أغصان النخيل وثماره التي أرتبطت كرمز بعيد النيروز بعد ذلك.

ارتباط عيد النيروز بسنة الشهداء (عقيدة):

احتل الرومان مصر سنة 30 ق.م، وفي القرن الأول الميلادي انتشرت المسيحية في مصر بكرازة القديس مرقس الرسول وتحولت العبادة الوثنية إلى عبادة الإله الواحد وانتشر الإيمان المسيحي في كل ربوع مصر.
وتعرضت مصر المسيحية بعد ذلك إلى حلقات الأضطهاد العشر التي كان آخرها اضطهاد دقلديانوس وأعوانه سنة 284 - 305 م فإتخذت الكنيسة القبطية من بداية حكم ذاك الطاغية بداية لتقويمها الذي أطلق عليه تقويم الشهداء ففي عهده ارتوت أرض مصر بدماء الشهداء من أجل الإيمان بالله ووحدانيته وبدل أن يفرحوا بثمار الأرض فرحت الكنيسة بثمار الإيمان.
ومن هنا جاء رمز البلحة الحمراء وعيد النيروز، فاللون الأحمر يشير إلى دم الشهداء وقلب البلحة الأبيض يشير إلى قلب المؤمن والشهيد النقي والنواة الثابتة تشير إلى ثبات الإيمان وقوته، ومن العجيب أن النخل لا يأتي بالبلح الأحمر إلا في أيام النيروز وكأن الطبيعة تتحد مع التاريخ في صنع الأعياد ومعانيها، ولا غرابة أن يكون عيد النيروز عيدًا لشهداء مصر المسيحية.
فتاريخ مصر تاريخًا وطنيًا ملكلكل المصريين بصرف النظر عن معتقداتهم لذلك كان النيروز عيدًا يهتم به كل الحكام حتى عهد المماليك، فكانت الحكومة تدفع مبالغ كبيرة من المال وتوزع هدايا من الملابس الحريرية والفاكهة لكبار رجال الدولة وتعطي معونات على يد متخصصين كان يطلق عليهم لقب (أمير النيروز) فكان يوم النيروز من أبهج الأيام والمواسم في مصر بأستثناء عهد الظاهر برقوق الذي أمر بعم الأحتفال به في القاهرة نظرًا لبعض السلوكيات، ولن الفاطميين اهتموا به وجعلوه عيدًا وطنيًا لكل المصريين ويقول المقريزي:"وكان النيروز القبطي في أيامهم من جملة المواسم فتتعطل فيه الأسواق ويقل فيه سعي الناس في الطرقات وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة وأةلادهم ونسائهم والرسوم من المال وحوائج النيروز.
كما يذكر لنا التاريخ الحديث أنه في عهد محمد علي الكبير كان الأحتفال بعيد النيروز احتفالاً وطنيًا تدق فيه الطبول وتقام فيه التقاليد والعادات القديمة وتعطل فيه جميع الأعمال.
وعندما جاء سعيد باشا واليًا على مصر عام 1854 م أصدر في يوم السبت 7 يوليو عام 1855 م أمرًا بأن التاريخ القبطي هو التاريخ الرسمي في دواوين الحكومة وظل معمولاً به لمدة عشرين عامًا حتى جاء إسماعيل باشا ونقض هذا الأمر وتحول إلى التقويم الأفرنجي، ولكن إلى الآن يحتفظ الفلاح المصري بالتقويم القبطي (المصري القديم) تقويم الشهداء وبقيت معه الكنيسة القبطية محتفظة بتاريخ مصر محتفلة بعيد النيروز من 1 توت وحتى يوم 16 توت مؤكدة وطنيتها ومصريتها فعيد النيروز تاريخ وتراث لكل مصر ولنا أمل أن يعاد الأحتفال الوطني به على أساس أنه عيد مقترن باحترام نهر النيل الخالد.
وبعيدًا عن أي تعصب، أتمنى أن تقوم الدولة بخطوة وطنية ويتم تعديل القرار رقم 14 لسنة 1962 بإضافة يوم عيد النيروز إلى الأعياد الوطنية ويعامل معاملتها ويعتبر إجازة لكل المصريين، ولو تم هذا فسوف تمحو الدولة سيئة من السيئات التي صوبت نحو وطنية الإنسان المصري.